فصل: قال في الميزان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فائدة: في الاكتفاء بذكر توبة آدم دون توبة حواء:

قال الفخر:
إنما اكتفى الله تعالى بذكر توبة آدم دون توبة حواء لأنها كانت تبعًا له كما طوى ذكر النساء في القرآن والسنة لذلك، وقد ذكرها في قوله: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} [الأعراف: 23]. اهـ.

.قال الثعالبي:

وهذه الآية تبين أن هبوط آدم كان هبوط تَكْرِمَةٍ؛ لما ينشأ عن ذلك من أنواع الخيرات، وفنون العباداتِ. اهـ.

.قال في الميزان:

قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه} التلقي هو التلقن، وهو أخذ الكلام مع فهم وفقه وهذا التلقى كان هو الطريق المسهل لآدم عليه السلام توبته.
ومن ذلك يظهر أن التوبة توبتان: توبه من الله تعالى وهي الرجوع إلى العبد بالرحمة، وتوبة من العبد وهي الرجوع إلى الله بالاستغفار والانقلاع من المعصية.
وتوبة العبد، محفوفة بتوبتين: من الله تعالى، فان العبد لا يستغني عن ربه في حال من الأحوال، فرجوعه عن المعصية إليه يحتاج إلى توفيقه تعالى وإعانته ورحمته حتى يتحقق منه التوبة، ثم تمس الحاجة إلى قبوله تعالى وعنايته ورحمته، فتوبة العبد إذا قبلت كانت بين توبتين من الله كما يدل عليه قوله تعالى: {ثم تاب عليهم ليتوبوا} التوبة- 119.
وقراءة نصب آدم ورفع كلمات تناسب هذه النكتة، وإن كانت القراءة الأخرى- وهي قراءة رفع {آدم} ونصب {كلمات}- لا تنافيه ايضا.
وأما أن هذه الكلمات ما هي؟ فربما يحتمل إنها هي ما يحكيه الله تعالى عنهما في سورة الأعراف بقوله: {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} الأعراف- 23، إلا أن وقوع هذه الكلمات أعني قوله: {قالا ربنا ظلمنا} الآية قبل قوله: {قلنا اهبطوا} في سورة الأعراف ووقوع قوله: {فتلقى آدم} الآية بعد قوله: {قلنا اهبطوا} في هذه السورة لا يساعد عليه.
لكن هاهنا شيء: وهو أنك عرفت في صدر القصة أن الله تعالى حيث قال: {إني جاعل في الأرض خليفة} قالت الملائكة: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} الآية وهو تعالى لم يرد عليهم دعويهم على الخليفة الأرض ي بما رموه به ولم يجب عنه بشئ إلا أنه علم آدم الأسماء كلها.
ولو لا أنه كان فيما صنعه تعالى من تعليم الأسماء ما يسد باب إعتراضهم ذلك لم ينقطع كلامهم ولا تمت الحجة عليهم قطعا.
ففي جملة ما علمه الله تعالى آدم من الأسماء أمر ينفع العاصي إذا عصى والمذنب إذا أذنب، فلعل تلقيه من ربه كان متعلقا بشئ من تلك الأسماء فافهم ذلك.
واعلم أن آدم عليه السلام وإن ظلم نفسه في القائها إلى شفا جرف الهلكة ومنشعب طريقي السعادة والشقاوة أعني الدنيا، فلو وقف في مهبطة فقد هلك، ولو رجع إلى سعادتة الأولى فقد أتعب نفسه وظلمها، فهو عليه السلام ظالم لنفسه على كل تقدير، إلا أنه عليه السلام هيأ لنفسه بنزوله درجة من السعادة ومنزلة من الكمال ما كان ينالها لو لم ينزل وكذلك ماكان ينالها لو نزل من غير خطيئة.
فمتى كان يمكنه أن يشاهد ما لنفسه من الفقر والمذلة والمسكنة والحاجة والقصور وله في كل ما يصيبه من التعب والعناء والكد روح وراحة في حظيرة القدس وجوار رب العالمين، فلله تعالى صفات من عفو ومغفرة وتوبة وستر وفضل ورأفة ورحمة لا ينالها إلا المذنبون، وله في أيام الدهر نفحات يرتاح بها إلا المتعرضون.
فهذه التوبة هي التي استدعت تشريع الطريق الذي يتوقع سلوكه وتنظيف المنزل الذي يرجى سكونة، فورائها تشريع الدين وتقويم الملة.
ويدل على ذلك ما تراه أن الله تعالى يكرر في كلامه تقدم التوبة على الإيمان.
قال تعالى: {فاستقم كما امرت ومن تاب معك} هود- 112، وقال: {وإني لغفار لمن تاب وآمن} طه- 82، إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: {قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى}.
وهذا أول ما شرع من الدين لآدم عليه السلام وذريته، أوجز الدين كله في جملتين لا يزاد عليه شيء إلى يوم القيامة.
وأنت إذا تدبرت هذه القصة قصة الجنة وخاصة ما وقع في سورة طه وجدت أن المستفاد منها أن جريان القصة أوجب قضائين منه تعالى في آدم وذريته، فأكل الشجرة أوجب حكمه تعالى وقضائه بالهبوط والاستقرار في الأرض والحياة فيها تلك الحياة الشقية التي حذرا منها حين نهيا عن إقتراب الشجرة هذا.
وأن التوبة ثانيا: تعقب قضاء وحكما ثانيا منه تعالى بإكرام آدم وذريته بالهداية إلى العبودية فالمقضي أولا كان نفس الحياة الأرضية، ثم بالتوبة طيب الله تلك الحياة بأن ركب عليها الهداية إلى العبودية، فتألفت الحياة من حياة أرضية، وحياة سماوية.
وهذا هو المستفاد من تكرار الأمر بالهبوط في هذه السورة حيث قال تعالى: {وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} الآية وقال تعالى: {قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى} الآية.
وتوسيط التوبة بين الأمرين بالهبوط مشعر بأن التوبة وقعت ولما ينفصلا من الجنة وإن لم يكونا أيضا فيها كاستقرار هما فيها قبل ذلك.
يشعر بذلك أيضا قوله تعالى: {وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة} الآية بعد ما قال لهما: لا تقربا هذه الشجرة فأتى بلفظة تلكما وهي إشارة إلى البعيد بعد ما أتى بلفظة هذه وهي إشارة إلى القريب وعبر بلفظة نادى وهي للبعيد بعد ما أتى بلفظة قال وهي للقريب فافهم.
واعلم أن ظاهر قوله تعالى: {وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} الآية وقوله تعالى: {قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون} الآية أن نحوه هذه الحياة بعد الهبوط تغاير نحوها في الجنة قبل الهبوط، وأن هذه حياة ممتزجة حقيقتها بحقيقة الأرض ذات عناء وشقاء يلزمها أن يتكون الإنسان في الأرض ثم يعاد بالموت إليها ثم يخرج بالبعث منها.
فالحياة الأرضية تغاير حياة الجنة فحياتها حياة سماوية غير أرضية.
ومن هنا يمكن أن يجزم أن جنة آدم كانت في السماء، وإن لم تكن جنة الآخرة جنة الخلد التي لا يخرج منها من دخل فيها.
نعم: يبقي الكلام في معنى السماء ولعلنا سنوفق لاستيفاء البحث منه، إن شاء الله تعالى.
بقى هنا شيء وهو القول في خطيئة آدم فنقول ظاهر الآيات في بادي النظر.
وإن كان تحقق المعصية والخطيئة منه عليه السلام كما قال تعالى: {فتكونا من الظالمين} وقال تعالى: {وعصى آدم ربه فغوى} الآية، وكما اعترف به فيما حكاه الله عنهما: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} الآية.
لكن التدبر في آيات القصة والدقة في النهي الوارد عن أكل الشجرة يوجب القطع بأن النهي المذكور لم يكن نهيا مولويا وإنما هو نهي إرشادي يراد به الإرشاد والهداية إلى ما في مورد التكليف من الصلاح والخير لا البعث والإرادة المولوية.
ويدل على ذلك أولا: أنه تعالى فرع على النهى في هذه السورة وفي سورة الأعراف أنه ظلم حيث قال: {لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} ثم بدله في سورة طه من قوله: {فتشقى} مفرعا إياه على ترك الجنة.
ومعنى الشقاء التعب ثم ذكر بعده كالتفسير له: {إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظما فيها ولا تضحى} الآيات.
فأوضح أن المراد بالشقاء هو التعب الدنيوي، الذي تستتبعه هذهالحياة الأرض ية من جوع وعطش وعراء وغير ذلك.
فألتوقي من هذه الأمور هو الموجب للنهي الكذائي لا جهة أخرى مولوية فالنهى إرشادي، ومخالفة النهى الإرشادي لا توجب معصية مولوية، وتعديا عن طور العبودية وعلى هذا فالمراد بالظلم أيضا في ما ورد من الآيات ظلمهما على أنفسهم ا في القائها في التعب والتهلكة دون الظلم المذموم في باب الربوبية والعبودية وهو ظاهر.
وثانيا: أن التوبة، وهي الرجوع من العبد إذا استتبع القبول من جانب المولى أوجب كون الذنب كلا ذنب، والمعصية كأنها لم تصدر، فيعامل مع العاصي التائب معاملة المطيع المنقاد، وفي مورد فعله معاملة الامتثال والانقياد.
ولو كان النهى عن أكل الشجرة مولويا وكانت التوبة توبة عن ذنب عبودي ورجوعا عن مخالفة نهى مولوي كان اللازم رجوعهما إلى الجنة مع انهما لم يرجعا.
ومن هنا يعلم أن استتباع الاكل المنهى للخروج من الجنة كان استتباعا ضروريا تكوينيا، نظير إستتباع السم للقتل والنار للاحراق كما في وارد التكاليف الارشادية لا استتباعا من قبيل المجازاة المولوية في التكاليف المولوية، كدخول النار لتارك الصلوة، وإستحقاق الذم واستيجاب البعد في المخالفات العمومية الاجتماعية المولوية.
وثالثا: أن قوله تعالى: {قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} الآيات.
وهو كلمة جامعة لجميع التشريعات التفصيلية التي أنزلها الله تعالى في هذه الدنيا من طرق ملائكته وكتبه ورسله، يحكى عن أول تشريع شرع للإنسان في هذه الدنيا التي هي دنيا آدم وذريته، وقد وقع على ما يحكي الله تعالى بعد الأمر الثاني بالهبوط ومن الواضح أن الأمر بالهبوط أمر تكويني متأخر عن الكون في الجنة واقتراف الخطيئة، فلم يكن حين مخالفة النهي واقتراب الشجرة لا دين مشروع ولا تكليف مولوي فلم يتحقق عند ذلك ذنب عبودي، ولا معصية مولوية.
ولا ينافي ذلك كون خطاب اسجدوا للملائكة ولابليس وهو قبل خطاب لا تقربا، خطابا مولويا لأن المكلف غير المكلف.
فإن قلت: إذا كان النهى نهيا إرشاديا لا نهيا مولويا فما معنى عده تعالى فعلهما ظلما وعصيانا وغواية.
قلت: اما الظلم فقد مر أن المراد به ظلمهما لأنفسهم ا في جنب الله تعالى، وأما العصيان فهو لغة عدم الانفعال أو الانفعال بصعوبة كما يقال: كسرته فإنكسر وكسرته فعصى، والعصيان وهو عدم الانفعال عن الأمر أو النهى كما يتحقق في مورد التكاليف المولوية كذلك يتحقق في مورد الخطابات الارشادية.
وأما تعين معنى المعصية في هذه الازمنة عندنا جماعة المسلمين في مخالفة مثل صل، أم صم، أو حج، أو لا تشرب الخمر، أو لا تزن ونحو ذلك فهو تعين بنحو الحقيقة الشرعية أو المتشرعة لا يضر بعموم المعنى بحسب اللغة والعرف العام هذا.
وأما الغواية فهو عدم اقتدار الإنسان مثلا على حفظ المقصد وتدبير نفسه في معيشته بحيث يناسب المقصد ويلائمه.
وواضح أنه يختلف بإختلاف الموارد من إرشاد ومولوية.
فإن قلت: فما معنى التوبة حينئذ وقولهما: {وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}.
قلت: التوبة كما مر هي الرجوع، والرجوع يختلف بحسب اختلاف موارده.
فكما يجوز للعبد المتمرد عن أمر سيده وإرادته أن يتوب إليه، فيرد إليه مقامه الزائل من القرب عنده كذلك يجوز للمريض الذي نهاه الطبيب نهيا إرشاديا عن أكل شيء معين من الفواكه والمأكولات، وإنما كان ذلك منه مراعاة لجانب سلامته وعافيته فلم ينته المريض عن نهيه فإقترفه فتضرر فأشرف على الهلاك.
يجوز أن يتوب إلى الطبيب ليشير إليه بدواء يعيده إلى سابق حاله وعافيته، فيذكر له إن ذلك محتاج إلى تحمل التعب والمشقة العناء والرياضة خلال مدة حتى يعود إلى سلامة المزاج الاولية بل إلى اشرف منها وأحسن، هذا.
وأما المغفرة والرحمة والخسران فالكلام فيها نظير الكلام في نظائرها في اختلافها بحسب اختلاف مواردها. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {فتلقى آدَم}.
معطوف على قلنا: والفاء للتعقيب أي يعقب إن قلنا له ذلك تلقّى فهي إشارة إلى سرعة إلهام الله تعالى له المبادرة بالتوبة.
قال ابن عطية: تلقاها إما بإقباله عليها أو إلهامه إليها.
قال ابن عرفة: والإلهام إما حضور ذلك بباله من غير تكلّف نظر أو علمه بها بعد تكلّف النّظر.
قال: والتفعل يقتضي إمّا تكلف الفعل بمشقة وإما للتَّناهِي إلى أعلى درجاته وهو هنا يحتمل الأمرين وتقدم المجرور للتشريف.
وقرأ ابن كثير: {آدَمَ} بالنّصب و{كَلِمَاتٌ} بالرفع.
قال ابن عرفة: قراءة الجماعة بالرّفع ظاهرة لأنه هو فاعل التلقي فكلفه التلقي والقصد إليه وإمعان النظر فيه ظاهر، وأمّا قراءءة ابن كثير فتقتضي أن آدم عليه السلام أتاه التلقي هجما من غير نظر، فيمكن فهمه على أنه أتته أَوَائِل درجات النظر بالبديهة لأن المعقولات فرع المحسوسات، فأول درجات النظر مدرك معلوم بالبديهة لا يفتقر إلى تقدم شيء قبله لئلا يلزم عليه التسلسل، وتنكير {كلمات} للتشريف والتعظيم كما قال الزمخشري في قوله تعالى: {والفجر وَلَيَالٍ عَشْرٍ} وقال: نكّرت لأنّها معيّنات معلومات فرد عليه بمنافاة التنكير للتعيين.
وأجيب بأنها لشرفها وعظمها صارت معلومات في الذهن فلم تحتج إلى تعريف وكذلك هنا.
قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم} تنبيه على أن توبته لا تخص آدم بل توبته ورحمته عامة. اهـ.